في بداية كل عام دراسي في إيران، إذ يتم التخطيط للعام الدراسي واختيار الدروس وفي نهايته حين تظهر النتائج وتتضح مكامن الضعف والقوة، يتحول موضوع التدريس باللغة الأم في مناطق الشعوب غير الفارسية الى موضوع مثير للجدل، ويهتم خبراء التعليم والتربية والمعلمون ومسؤولو المؤسسات التعليمية وحتى التلاميذ وطلاب الجامعات من الشعوب غير الفارسية بهذا الموضوع ويقدمون آراء ووجهات نظر متعددة.
توجد هناك آراء كثيرة حول سبب الحرمان من التدريس باللغة الأم وما يسببه من مشاكل تعليمية وثقافية واجتماعية. ويؤكد مسؤولو التعليم المحلي في مناطق مختلفة من إيران أن الحرمان من التدريس باللغة الأم يتسبب في إرباك الأطفال غير الفارسيين في بداية العملية التعليمية، وتراجع مستوى التعليم لديهم، ويجعلهم يشعرون وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، و يدفعهم حتى الى عدم مواصلة التعليم، حيث تشير العديد من التقارير أن هذا العامل يتسبب في تخلف العديد من الأطفال غير الفارسيين وفشلهم في التقدم الدراسي كل عام.
التأثير على النفسية والهوية
ويرى خبراء التربية وعلماء نفس الطفل أن الحرمان من التعليم باللغة الأم يمكن أن يسبب أزمة هوية ويحول دون تنمية المواهب في مراحل الحياة المختلفة، وخاصة مرحلة الطفولة، التي تعتبر مرحلة مهمة في العملية التعليمة.
وبحسب الخبراء فإن اللغة هي الأداة الصوتية الرئيسية للتواصل، كما أن اللغة الأم هي اللغة الأولى التي يتعلمها الطفل بشكل طبيعي. وتعتبر منظمة اليونسكو، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة ومتخصصة في الشؤون التعليمية والعلمية والثقافية، اللغة الأم أداة مهمة في تحسين التعلم والتنمية الاجتماعية والعاطفية. ويعتقد علماء نفس الطفل أن تعلم اللغة الأم وإتقانها يبني هوية الطفل الاجتماعية والثقافية ويساعد على فهم المواد التعليمية بشكل أفضل كما أن الأساس القوي للغة الأم يسهل تعلم اللغات الأخرى أيضًا.
أهمية ثنائية اللغة
أظهرت الأبحاث أن تعلم لغة ثانية في سن مبكرة له تأثير إيجابي على نمو الأطفال ونجاحهم. في المقابل إذا تم تدريس الطفل باللغة لا يفهمها فلن يتمكن من فهم المادة التعليمية وسيلجأ إلى "الحفظ" و"التخزين في الذاكرة" وهذا يحد من معرفة الطفل بالبيئة المحيطة به لأنه يسبب خللا في أداة الكلام التي تخلق التواصل، ويعطل النمو التعليمي ويؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص التعليمية والمهنية في المستقبل.
إحصائيات التسرب من التعليم
إن معدل التسرب من التعليم أعلى في المناطق التي لا تعد اللغة الفارسية فيها اللغة الأم. حيث أعلن موقع جماران نيوز يوم 28 يناير 2022، نقلا عن تقرير مكتب دراسات التعليم والثقافة التابع لمركز أبحاث المجلس لعام 2022، أن المحافظات الخمس سيستان وبلوشستان، وخراسان الرضوية، وطهران، والأهواز، وأذربيجان الغربية لديها أكبر عدد من حالات التسرب من المدارس، إن هذه الإحصائية تعكس دور اللغة في عدم مواصلة الدراسة.
إن الحرمان من التعليم باللغة الأم يؤدي إلى عدم الثقة، والغرور الذاتي لدى المتحدثين باللغة الفارسية واستنكار الذات لدى غير الفرس، ومشاكل نفسية وانعدام الثقة بالنفس بين سكان المناطق العرقية.
إن اقتصار المرافق التعليمية والثقافية على لغة معينة، يُصبح نوعا من التفوق الذاتي شائعا بين المتحدثين بتلك اللغة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى التوتر الاجتماعي. وقد أدى حظر التدريس باللغة الأم في إيران إلى تأجيج هذه المشاكل في المئة عام الماضية.
أوجدت منظمة اليونسكو، منذ أكثر من عقدين من الزمن، "اليوم العالمي للغة الأم" وخصصت هذا اليوم لنشر الوعي حول اللغات المختلفة والتنوع الثقافي الناتج عنها. ودعمًا لهذا القرار، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضًا الدول الأعضاء فيها إلى الاعتراف بالتنوع اللغوي للأقليات العرقية واحترامه.
وبالنظر إلى أن إيران بلد متعدد اللغات والتدريس باللغة الأم هو حق أساسي لكل إنسان، يجب على الحكومة أن تأخذ زمام المبادرة في هذا المجال وتجعل النظام التعليمي متعدد اللغات ليشمل اللغة الأم. وهذا يمكن أن يحل العديد من مشاكل ساكني إيران من غير الفرس ويخلق أساسًا للتفاهم والاحترام المتبادل. وهذه المقترحات:
-تأهيل مدرسين ثنائي اللغة: توظيف وتدريب مدرسين ثنائيي اللغة الذين يمكنهم التدريس بلغتين.
-مناهج متعددة اللغات: تصميم وتنفيذ مناهج تتضمن دروساً باللغة الأم واللغة الرسمية للدولة.
-الدعم النفسي والاجتماعي: تقديم استشارات نفسية واجتماعية للأطفال والأسر التي تختلف لغتهم الأم عن اللغة الرسمية.
- القيام بمزيد من البحوث: إجراء المزيد من البحوث الشاملة حول أثر التعليم باللغة الأم على تنمية القدرات الأكاديمية والاجتماعية للأطفال.
يمكن لهذه النقاط أن تساعد في تحسين الوضع التعليمي في إيران وتمنع المشاكل الناجمة عن الحرمان من التدريس باللغة الأم.
لمنع الأذى النفسي والتربوي للأطفال غير الفارسيين.